
……………..
بقلم : المساعد أول سيدو ديوب
كان ذلك عام 1992 في فرقة گرو الإقليمية التى كان يقـودها آنذاك المساعد أول محمد ولد الشيخ المتقاعد حاليا، كان ضابط الصف هذا يتمتع بـفطنة فريدة تمكنه في أول وهلة من
تكوين فكرة واضحة عن شخصية الرجل.
كنت وقتها رقيبا شابا، وتم تحويل طبيب المقاطعة ولم يوجد له خلف بعد، كان الحاكم في إجازة وكنت في مكاتب الفرقة عندما دخل قائدها، قال لي إنه اتصل في المدينة بشاب يقدم نفسه بأنه الطبيب
الجديد، وأضاف أنه بالنسبة له ليس له مظهر ولاصفات الوظيفة وأنه لا يثق فيه إطلاقا، وباختصار يشك قائدي شكا قويا في كونه طبيبا وبدافع التأثر سألني عن رأيي حول تحفظاته، نصحته بالتحلي بالحكمة والصبر واقترحت عليه فحصي من قبل هذا الطبيب مدعيا مرضا وهميا لتقـويم الثقافة الطبية للمعني ودعوته لتناول العشاء من أجل معرفته بشكل أعمق. ذهبنا إذن إلى الطبيب أنا وقائد الفرقة بسبب آلام في الظهر لا أعاني منها حقا، وقام هذا الأخير الذي قدم نفسه بأنه الدكتور محمد ولد هيين بإضجاعي مستلقيا على طاولة الفحص، وفحصني حسب قواعد المهنة وكتب لي وصفة بمرهم مناسب لعلاج أعراض المرض المذكور ( مرهم Decontractyl )، وقد كتب ووقع الوصفة بنفسه، ودعاه قائدي لتناول العشاء في مساء نفس اليوم.
وخلال تلك الليلة، روى لنا الطبـيب الوقائع التي ميزت الفترة التي قضاها في المدارس الأجنبية وأعطى أسماء زملائه…الخ.
كان هادئا، واثقا مطمئنا ومنسجما حــديثه، لكنه كان ثرثارا، كما لاحظت أنا أيضا أن مظهره ومستواه الفكري ليسا مظهر ومستوى دكتور في
الطب.
بعد العشاء، خلصنا إلى أنه على الرغم من تناسق حديثه والثقة التي يظهرها والمهنية التي ميزت ممارسته للطب، فإن الطبيب الجديد لم يقنعنا.
وأكد قائد الفرقة بقوة بأن حدسه يقول له إن الرجل منتحل، ولذلك قررنا مراقبته بشكل سري واستغلال أية هفوة، بعد يومين ذهب طبيبنا إلى كيفه حيث اتصل بالوالي والمدير الجهوي للصحة اللذين “نصباه” في وظيفته الجديدة وسلماه كميات من الأدوية مخصصة للمركز الطبي في گرو، تولى حتى حيازة الأموال المخصصة لتسيير المستوصف.
عاد إلى گرو مرتاحا ومعتزا بنفسه، وفي اليوم التالي أخبرنا مبعوثون من قيادة أركان الدرك قادمين من نواكشوط بأن شخصا قد شغل منصب الطبيب الرئيس في بوتلميت لمدة أربعة أشهر قبل أن يختفي بعد أن علم أن طبيبا رئيسا قد تم تحويله رسميا من قبل وزارة الصحة، بتلقي هذه المعلومات قررنا أن نسأل الطبيب الجديد لتزويدنا بالمستندات المثبتة لتحويله بهذه الصفة إلى گرو، وهكذا شرح له قائد الفرقة بأدب أنه اضطر لهذا التأكد بسبب غياب السلطة الإدارية التي كانت ستقوم بذلك قبل توليه
وظيفته، أجابه طبيبنا الذي لا يزال هادئا، بأنه يخضع تماما لذلك الإجراء وطلب مرافقته إلى منزله حيث توجد الوثائق وبعد لحظات، عاد على متن سيارتنا مع
المستندات المثبتة
قدم لنا وثيقتين قرار مطبوع ملئت بنوده بخط اليد موقع ويحمل ختم الأمين العام لوزارة الصحة والشؤون الاجتماعية وأمر بمهمة مكتوب بخط اليد كليا وموقع ويحمل نفس الختم
وبعد فحص الوثائق فاجأني كون خط هاتين الوثيقتين هو خط نفس اليد التي كتبت لي الوصفة شرحت ملاحظاتي لقائد الفرقة وأريته الوثائق، تبدو الملاحظة وجيهة، طلبت من قائد الفرقة الانسحاب وتركي أواصل التحقيق أمام الوثائق الثلاث، احتمى الطبيب أولا بالنفي وبقي موجزا في كلامه وملازما لتبريراته ، وتحت ضغط الأسئلة أحرج
الرجل، لكنه لم يعترف بعد،
عند ذلك قررت القيام بتفتيش منزله وكان التفتيش مثمرا حيث اكتشفت أن الدكتور محمد ولد هيين الطبـيب الرئيس الجديد في گرو ليس سـوى
الدكتور باهو الطبيب الرئيس السابق في
بوتلميت، الشارة المميزة للدكتور باهو التي كان يحملها في بوتلميت وتسخيرات فرقة درك بوتلميت ومفوضية الشرطة وأخيرا ترسانة من الأدلة لا تدع مجالا للشاك، عندها اعترف طبيبنا الوهمي بجريمته بعد الجمع بين كل هذه الاعترافات والأدلة على انتحال الصفة والممارسة غير المشروعة للطب، قدمت تقريرا إلى قائد الفرقة الذي أحال القضية إلى السلطات المختصة بمن فيهم قائد كتيبة كيفه، فوجئ والي لعصابه وبعث برسالة تهنئة مكتوبة إلى قائد فرقة گرو وأفرادها يتحدث فيها عن فطنة الدركي.
منصة الأرشيف الموريتاني
المصدر : مجلة الدرك الوطني
العدد : 04 عام 2011